أفكار آسيوية 28: وفاة الكرة العربية.. واعتذار للشاعر حجازي
منتديات كورة :: كرة قدم :: الارشيف الرياضي :: كأس اسيا2011
صفحة 1 من اصل 1
أفكار آسيوية 28: وفاة الكرة العربية.. واعتذار للشاعر حجازي
رغم افتتاني بالشعر وحُبي له، وقرضي لفنونه في مطلع المراهقة وعتبة الشباب، ورغم إنتاجي القليل الذي قال عن إحدي قصائده الشاعرالكبيرالراحل فؤاد بدوي في برنامج تليفزيوني في مطلع الثمانينات ، إنها تكفي للاعلان عن موهبة كبيرة لشاعر واعد نرجو أن نحتفل في القريب بأول دواوينه، فإنني فارقت الشعر أو فارقني، وربما تركته عامدا ،لأنني لاأحب أن أتكسب بالشعر- كما قلت في ذلك البرنامج - ربما هناك أسباب أخري لا مجال هنا لذكرها وربما أعرج عليها ذات يوم في مقال هارب من واقعية الرياضة ومادية كرة القدم.
رغم ماسبق فقد جرني المقال قبل السابق من أفكاري الآسيوية رقم 26 بعنوان : "هل تٌعلن وفاة الكرة العربية في آسيا "،إلي دهاليز الشعر، عندما استشهدت في بداية المقال بسطر شعري قلت أنه للشاعرالمصري الراحل صالح الشرنوبي ، وقد راجعت نفسي وتسرب لي الشك، وعدت إلي تصفح بعض صفحات الانترنت لاكتشف بالفعل الخطأ الذي وقعت فيه، ويستحق الاعتذار، وهو نسبتي هذا السطر للشرنوبي، وهذا السطر من قصيدة رائعة كانت تبشر بالموهبة والعنفوان الشعري للشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي -أطال الله في عمره - والقصيدة بعنوان " مقتل صبي" من الديوان الاول للشاعر الذي صدر عام 1959 ،بعنوان "مدينة بلا قلب "، وهذه القصيدة الرائعة كان لإحساسها الجياش وجرسها المتوقد وموسيقاها الداخلية وصورها الشعرية العميقة ، أكبر الاثر في تذوقي وحبي وقبولي للشعر الحديث ، بعد أن كنت أنكره تماما ، بسبب ضعف وشطحات شعراء النثر وفلاسفة الطلاسم الشعرية، الهاربين من الوزن والقافية والتفعيلة والموسيقي التي تجعل من الكلام العادي شعراً.
وفي هذه القصيدة الجميلة المؤثرة التي حفظتها لسنوات طويلة يقول حجازي:
الموتُ في الميدانِ طَنّ
الصمتُ حطُ كالكَفنّ
وأقبلت ذبابةُ خضراء
جاءت من المقابرِ الريفيةِ الحزينة
ولولبت جناحها علي صبيٍ مات في المدينة
فما بكت عليه عين.
العجلاتُ صفرت، توقفت
قالوا ، ابن من ؟
ولم يٌجب أحد
فليس يعرفٌ اسمه هنا سواه
"ياولداه "
قِيلت وغاب القائلُ الحزين
والتقت العيونُ بالعيون
ولم يُجب أحد
فالناسُ في المدائنِ الكبري عدد
جاءَ ولد ،
ماتَ ولد
الصدرُ كانَ قد همد
وارتد كفُ عضّ في التراب
وحملقت عينانِ في ارتعاب
وظلتا بغيرِ جفن
قد آنَ للساقِ التي تشردت ان تستكن
وعندما ألقُوه في سيارةٍ بيضاء
حامت على مكانهِ المخضوبِ بالدماء
ذبابةٌ خضراء
جاءت من المقابرِ الريفيةِ الحزينة
ولولبت جناحها علي صبيٍ مات في المدينة
فما بكت عليه عين!
.. وقد عبرت للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي عن إعجابي بهذه القصيدة بنفسي في زيارة لمنزله بمصر الجديدة بالقاهرة ، في الثمانينات بعد عودته من باريس بعد فترة سفر طويلة عن مصر ، وقبل أن ينضم للمؤسسة العملاقة التي أشُرف بالانتماء اليها ، وهي مؤسسة الاهرام الصحفية ، وأذكر ان هذه الزيارة كانت زيارة صحفية ،اصطحبني فيها صديقي المبدع أحمد الشهاوي الصحفي والشاعر الكبير، الذي كثيرا ما حرضني علي الكتابة الشعرية، والعيش داخل دوائر الشعر والادب ، فما سمعت أبداً نصائحه رغم صداقتنا وحبنا في الله الذي لم يغير منه السنوات الطويلة التي تباعدنا فيها .
وهذه القصيدة تمزج مابين الرمزية والواقعية وتحفل بالدلالات والايحاءات، وهي مكتوبة عن رؤية فعلية او تخيلية للشاعر لحادث مروري وقع لشاب قروي مراهق بسيط جاء بآمال كبيرة من أقاصي الريف ، ولقي مصرعه فور وصوله مباشرة تحت عجلات سيارة في ميدان محطة مصر او ميدان رمسيس الشهير في القاهرة ، قبل أن يدرك ماحوله ويستطيع التعامل مع أحوال المدن وقسوتها التي تختلف طبائعها وطرقها ومواصلاتها وتعاملات البشر فيها عما يجري في القري البسيطة.
والقصيدة التي استشهدت بأحد سطورها للتعبير عن حال الكرة العربية في الدوحة بعد سقوط ثمانية منتخبات عربية تحت عجلات القطار الآسيوي السريع الذي لا يرحم ، تصلح – كما قد تتفقون معي – بكاملها للتعبير عن الموقف الذي صادف الكرة العربية في مباريات البطولة ، فأثار هذا الموقف بكل تداعياته الدرامية ، لوعة الجماهير التي راحت تتمتم بكلمات تحمل الأسى والحزن دون أن تعرف من سيتحمل المسئولية ،ومن سيحمل هذه الضحايا من تحت عجلات القطار، وكيف يمكن للصبي الريفي الذي سيأتي بعد ذلك ان يتعامل مع معطيات العصر الكروي الجديد في آسيا ، حتي لا يقع ضحية للحوادث المرورية في ميدان رمسيس او الحوادث الكروية المفاجئة في شوارع المدن الاسترالية التي ستستضيف مباريات كأس الامم الآسيوية المقبلة بعد أربع سنوات!!
أخيرا، فإن الشاعر الراحل صالح الشرنوبي الذي تذكرته بسطر شعري لم يكتبه ، فإن الله سبحانه وتعالي ربما استدعي اسمه إلي ذاكرتي، لأترحم عليه ، فهو شاعر آخر أحببته في مطلع شبابي وأحببت سوداويته وافتتانه بالموت لدرجة أنه مات شابا في السابعة والعشرين ضحية لحادث قطار أيضا ..وقد كان مأساويا، مبالغا في التشاؤم يعيش علي الاحزان لدرجة أنه كتب عن نفسه قائلا:
فما أظن الارض تحوي فتىً
وجوده كان إحدي الكبرُ
مثلُ فتىً يدعونَه شاعراً
وما يغيرُ الموتُ يوماً شعرُ
ومن أفضل ما قرأت لهذا الشاعر الذي قال عنه العقاد أنه لو عاش لهدد مملكة أمير الشعراء أحمد شوقي مطلع هذه القصيدة:
طال الطريقُ فمن يقول لسادر حيران .. حسبك، قد بلغت مناكا
وطرقت أرضا ضاع عمرك كله .. من دونها وتمزقت قدماك
فجرت قلبك جدولا تسقي به زهر المنى .. وجنيتها أشواكا
وهدمت صرحا للشباب مشيدا .. لتقيم للمجد العظيم سماكا
وجرى القضاء بحكمه، وكعهده .. فخسرت هذا في الحياة وذاكا
وبقيت وحدك ، لا تمل تساؤلا .. والحيرة الخرساء، رجع صداكا
وطوى عباب الدهر ما أملته .. ياليته لما طواه طواكا
وأعجب ما كتبه هذا الشاعر الراحل المفتون بالموت، بيتين اوصى أن يُكتبا علي "رخامة" فوق قبره ، ويقول فيهما :
يازائرين لقبرنا
لاتعجبن لأمرنا
بالأمس كنا مثلكم
وغدا تكونوا مثلنا !!
رحم الله الشرنوبي ورحمنا جميعا ، وأحسن سبحانه وتعالي خاتمتنا ، وأكرم مثوانا، فكلنا نمضي لنفس المصير، وغدا نكون مثل الذين سبقونا، وبعدها يلحق بنا الذين لمّا يدركونا.
hima- المراقبالعـــام
- مشاركات : 1818
نقاط : 10415
الا شتراك في : 25/09/2010
العمر : 33
مواضيع مماثلة
» هل تٌعلن وفاة الكرة العربية في آسيا ؟
» أفكار آسيوية 9: انتفاضة العنابي وطريق البطولة
» أفكار آسيوية 10: فعلها النشامي .. وأبعدوا الأخضر!
» أفكار آسيوية 25: حلم النشامي تأجل .. ربما في المونديال!
» أفكار آسيوية 24: عنابي ميتسو .. وما تشتهي السفن!
» أفكار آسيوية 9: انتفاضة العنابي وطريق البطولة
» أفكار آسيوية 10: فعلها النشامي .. وأبعدوا الأخضر!
» أفكار آسيوية 25: حلم النشامي تأجل .. ربما في المونديال!
» أفكار آسيوية 24: عنابي ميتسو .. وما تشتهي السفن!
منتديات كورة :: كرة قدم :: الارشيف الرياضي :: كأس اسيا2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى